مرّ خبر ارتفاع مشتريات الاردنيين من الذهب مرورا باهتا رغم ان الارتفاع تجاوز ال 100 مليون دينار و بنسبة نمو تزيد على 100 بالمئة مقارنة بذات الفترة من العام 2012.
قد يبدوا تفسير هذا الارتفاع بسيطا للوهلة الأولى، و ذلك بأنه ناشئ عن انخفاض سعر الذهب في الاسواق العالمية.
بيد ان مزيدا من التمحيص يفضي الى ان هنالك اسبابا اخرى تقف وراء تهافت الاردنيين على شراء المعدن الاصفر.
يؤشر اقبال الاردنيين القياسي على الذهب الى تراجع شهية الاستثمار لدى الاردنيين، و خصوصا من الئك الذين يمتلكون سيولة فائضة على شكل مدخرات بنكية بالعملة المحلية و العملة الصعبة.
النظر الى الموضوع من الزاوية المقابلة، يظهر اخفاقا في السياسات الاقتصادية الرسمية في تشجيع الاستثمار و بالتالي توجيه مدخرات الاردنيين المتزايدة نحو الاستغلالات المفيدة التي تحفز الاقتصاد و تخلق فرص العمل.
فعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادي و تراجع المستوى المعيشي للأردنيين، يأتي التهافت الاخير على الذهب ليدلل على تراكم مدخرات القسم الميسور من المجتمع و التي توجه منها 100 مليون دينار نحو الذهب في مدة قياسية لم تتجاوز 8 أشهر.
لا يمكن ايضا اغفال المسببات الاخرى لتهافت الاردنيين على شراء الذهب و منها تراجع الثقة في الاقتصاد و حالة اللايقين التي تمر بها المنطقة، بالإضافة الى اعتقاد شائع بين المدخرين بتفوق الذهب كملاذ امن على ودائع البنوك حتى لو كانت الاخيرة بالعملات الصعبة كالدولار و اليورو و الين.
يمكن اعتبار المدخرات الجديدة في سوق الذهب بقيمة 100 مليون دينار خسارة فادحة للاقتصاد الاردني.
فباستثناء ما سببته موجة شراء الذهب الاخيرة من ارباح لتجار هذا المعدن، خسر الاقتصاد الاردني 100 مليون دينار من العملة الصعبة و 100 مليون دينار من ودائع البنوك التي كان ممكنا اعادة اقراضها للراغبين بالاستثمار.
هذا ناهيك ايضا عن الفرصة البديلة الضائعة لاستثمار هذا المبلغ في قطاعات اقتصادية مختلفة و في مقدمتها العقار و المشاريع التجارية بشتى انواعها.
فمبلغ 100 مليون دينار يكفي لشراء 2000 شقة في العاصمة عمان و يكفي لإنشاء 100 مشروع تجاري في العاصمة و المحافظات، و يكفل ايضا توظيف اكثر من 1000 اردني باحث عن العمل.
ارتفاع مشتريات الذهب بهذا القدر الكبير خسارة للاقتصاد و مؤشر على اخفاق السياسات الرسمية في حفز الدورة الاقتصادية، و هو ما يجب ان يذكر الحكومة بان قضية الاقتصاد لا تتوقف عند علاج تشوهات الموازنة، و بان مهمة تشجيع الاستثمار لا تقتصر على المستثمر الخارجي، انما تمتد لتشمل المستثمر الاردني ايضا !