سالم بن معقل


إنه الصحابي الجليل سالم بن مَعقل رضي الله عنه ، كان في

الجاهلية عبدا لأبي حذيفة بن عتبة ، آمن بالله وبرسوله إيمانا مبكرا ،

وأخذ مكانه بين السابقيـن الأولين ، كان رقيقا ثم ابنا ثم أخا ورفيقا

للذي تبناه عندما أسلما معا ، فكان يسمى سالم بن أبي حذيفة ، فلما

أبطل الإسلام التبني ، قيل : سالم مولى أبي حذيفة .



عظمة الاسلام الفريدة


لقد رأينا صورة من عظمة الإسلام ومزاياه تحدث بين أبي حذيفة رضي

الله عنه الشريف في قريش ، مع سالم رضي الله عنه الذي كان عبدا رقيقا ، لا يعرف أبوه..

فقد ظلا الى آخر لحظة من حياتهما أكثر من أخوين شقيقين حتى عند

الموت ماتا معا .. الروح مع الروح .. والجسد الى جوار الجسد..

لقد ارتفع سالم رضي الله عنه بتقواه وإخلاصه الى أعلى مراتب المجتمع

الجديد الذي جاء الإسلام يقيمه وينهضه على أساس جديد عادل عظيم

أساس تلخصه الآية الجليلة : (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))

في هذا المجتمع الجديد الراشد ، وجد أبو حذيفة رضي الله عنه شرفا

لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا ، بل ووجد شرفا لأسرته ، أن يزوج

سالما رضي الله عنه ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة.

وفي هذا المجتمع الجديد ،الذي هدم الطبقية الظالمة ، وأبطل التمايز الكاذب ،

وجد سالم رضي الله عنه بسبب صدقه ، وايمانه ، وبلائه ، مكانا له في الصف الأول دائما..

ان قصة سالم كقصة بلال رضي الله عنهما وكقصة عشرات العبيد ، والفقراء

الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف ، وجعلهم في مجتمع الهدى والرشاد أئمة ، وزعماء وقادة.



فضله


بفضل من الله ونعمة بلغ سالم رضي الله عنه بين المسلمين شأنا رفيعا

وعاليا ، أهلته له فضائل روحه ، وسلوكه وتقواه وبالصدق والشجاعة التي

عرف بها فعندما هاجر سالم رضي الله عنه إلى المدينة ، كان يستمع إلى

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ويأخذه عنه ، حتى صار من حفاظ

القرآن وممن يؤخذ عنهم القرآن ، بل كان من الأربعة الذين أوصى النبي صلى

الله عليه وسلم بأخذ القرآن منهم فقال :

" خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبى بن كعب "

وعن عائشة رضي الله عنها قالت :

( استبطأني رسول الله ذات ليلة ، فقال : ما حَبسك ؟

قلت : إن في المسجد لأحسن من سمعتُ صوتا بالقرآن ، فأخذ رداءه ، وخرج

يسمعه ، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة.

فقال : " الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك " )

ولما هاجر مع المسلمين إلى المدينة كان يؤم المسلمين للصلاة بمسجد قباء

وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك قبل أن يهاجر النبي صلى

الله عليه وسلم ، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويكثر من الثناء عليه حتى

أنه تمنى أن يكون حيا فيوليه الخلافة من بعده ، فقد قال وهو على فراش

الموت : ( لو أدركني أحد رجلين ، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به :

سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح )



الجهر بالحق


كانت الفضائل تزدحم حول سالم رضي الله عنه ولكن كان من أبرز

مزاياه الجهر بما يراه حقا فلا يعرف الصمت ، وتجلى ذلك بعد فتح مكة ،

حين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض السرايا الى ما حول مكة

من قرى وقبائل ، وأخبرهم أنهم دعاة لا مقاتلين ، فكان سالم رضي الله

عنه في سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي استعمل السيف وأراق الدم ،

فلم يكد يرى سالم رضي الله عنه ذلك حتى واجهه بشدة ، وعدد له الأخطاء

التي ارتكبت ، وعندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم النبأ ، اعتذر الى

ربه قائلا : " اللهم إني أبرأ مما صنع خالد "

كما سأل : " هل أنكر عليه أحد ؟ "

فقالوا له : أجل ، راجعه سالم وعارضه

فسكن غضب الرسول صلى الله عليه وسلم .



يوم اليمامة


عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى واجهت خلافة

أبي بكر رضي الله عنه مؤامرات المرتدين ، وجاء يوم اليمامة ، وكانت حربا

رهيبة ، لم يبتل الاسلام بمثلها ، وخرج المسلمون للقتال ، وخرج سالم وأخوه

في الله أبو حذيفة رضي الله عنهما وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون

للهجوم ، وأحس كل مؤمن أن المعركة معركته ، والمسؤولية مسؤوليته ،

وجمعهم خالد بن الوليد رضي الله عنه من جديد وأعاد تنسيق الجيش بعبقرية مذهلة..

وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم رضي الله عنهما وتعاهدا على الشهادة

في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنيا والآخرة ، وقذفا نفسيهما

في الخضم الرهيب .. كان أبو حذيفة رضي الله عنه ينادي :

( يا أهل القرآن زينوا القرآن بأعمالكم )

وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب.

وكان سالم رضي الله عنه يصيح :

( بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قبلي )

وكان سيفه صوال جوال في أعناق المرتدين ، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية

قريش ويطفؤا نور الاسلام ، وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها ،

وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب رضي الله

عنه ، ولما رأى يمناه تبتر ، التقط الراية بيسراه وراح يلوح بها الى أعلى

وهو يصيح رضي الله عنه تاليا الآية الكريمة :

(( وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثيرفما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله

وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ))

وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل ، ولكن روحه ظلت تتردد في

جسده الطاهر ، حتى انتهت المعركة بقتل مسيلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصارالمسلمين .



الشهادة


وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالما رضي الله عنه

في النزع الأخير ،فأسرع المسلمون إليه ، والتفوا حوله فسألهم عن أخيه في

الله ومولاه أبي حذيفة ، فأخبروه بأنه قد استشهد ولقى ربه ، فطلب منهم

أن يضعوه بجواره ، فقالوا :

إنه الى جوارك يا سالم .. لقد استشهد في نفس المكان .. فابتسم ابتسامته

الأخيرةوفاضت روحه إلى الله لينعم بالشهادة وذلك في عام 12 هـ

لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان ..

معا أسلما

ومعا عاشا

ومعا استشهدا

ومعا يبعثا